الاثنين، 20 مايو 2019

هل يمكن لأحد أن يخبرنا مالذي يجعل الموناليزا أعظم لوحة في التاريخ؟



بدل سؤالك إن كنت تعرف السبب الذي جعلها أعظم لوحة في العالم أقول لك قل لي: مالذي يجعلها أفضل لوحة في العالم؟ على اعتبار أنها فعلا كذلك والدليل أن لا أحد بحاجة الى كتابة عنوانها والتعريف بصاحب اللوحة الجميع يعرف ذلك لكن الجميع لا يعرف مالسبب الذي جعلها أعظم لوحة في العالم. 


قرار بشري كان وراء ذلك، وماعلينا مع التاريخ إلا منح اللوحة كافة التبريرات والأسباب للإبقاء على عرشها. فمن بين الآلاف من اللوحات نحتاج أن نقرّ بوجود لوحة تعتبر الأعظم في العالم. لا يمكن لنا أن نبقي العرش خاليا كما أن لا أحد اطلاقا يفكّر في معارضة وجودها خوفا من الفراغ الذي ستخلفه. رغما عن كل من حاول تشويهها وسرقتها أو رسم نسخة ساخرة منها. 






اختيارها لم يكن صدفة منذ رسمها ودافينشي يظهر اهتمامه بها وعندما حل ضيفا على فرانسوا الأول ملك فرنسا والذي لطالما حلم بضم ايطاليا -بلد والدته- وحاول ضمّها اليه، حتى بإنشاء مدرسة فنية تعنى بالرسم على طريقة عصر النهضة (مدرسة فونتينبلو) ولو أنّها لم تكن الا نسخة مقلدة لا أصالة فيها. كأنه كان يحب كل شيء فيها، وبعد قدوم دافينشي اقتناء هذا الملك الذي يفهم الفن على ما يبدو اللوحة من دافينشي -بعد إلحاح- كما يود بعض المؤرخين قوله. منذ البداية واللوحة تثير الاهتمام والأهم أن رسامها الموسوعي أحب اللوحة، أي أن له أسباب عديدة وقد تكون أمور خارج مجال الفن. وبعد أن ظلت اللوحة مدة في قصر فونتينبلو جلبها لويس الرابع عشر لقصر فرساي ومن ثم وضعتها الثورة الفرنسية في متحف اللوفر لكن اللوحة خرجت من اللوفر ليضعها نابليون في غرفة نومه بقصر التويلري. لا يخفى على أحد مدى اهتمام نابليون بالفن. بل لا أحد يمكن أن يتخيل الفن من دونه، أي من دون لوحاته ولوحات الرسامين الذين رسموا بتشجيع في عهده. نابليون ذو الأصول الايطالية أظهر اهتماما خاصة بالموناليزا!. قبل ١٠٠ عام تقريبا عندما سرقت، من بين مئات اللوحات الايطالية العظيمة باللوفر لم يختر السارق الايطالي إلا الموناليزاكنزا يعيده الى وطنه. تاريخ اللوحة يوحي بأنّ لها مكانا كبيرا في ذهن الجميع.
فرانسوا رغم أنه رسم من قبل واحد من اعظم الفنانين الايطاليين لكن اللوحة لم تشتهر كثيرا كما كان يمكن لملك يحب الفن الايطالي بل اشتهرت لوحة رسمها رسام فرنسي جان كلويه في وقت لم يكن في فرنسا رسامين معروفين. 



 لوحة الرسام آنجرز أحد تلامذة جاك لويس دافيدز تصور موت دافينشي بين يدي الملك فرانسوا

من أشهر ماشتهرت به، الابتسامة هل يمكنك أن تجزم فعلا بأن الموناليزا تبتسم؟ في كل مرة تشعر بذلك تحس بأنّا تنظر اليك بجمود فتقول في نفسك أنها أبدا لا تبتسم لتتفاجأ بأنها تبتسم لردة فعلك. يوجد اندماج غريب بين المنظر الطبيعي خلف اللوحة وموناليزا هو ليس مكانا مينا بطبيعة الحال ولكنه كعادة كل الخلفيات صورة طبيعية قد توحي بالمكان أو أو الزمان لكن هنا توحي بموناليزا نفسها. يوجد انسجام بين لون ملابسها ولون الصخور بالخلف، أما الجبال البيضاء فهي تشبه كثيرا الجبال التي رسمها بلوحته (القديسة آن) بل إن وجه مريم العذراء في اللوحة وآن لايختلف كثيرا عن وجه موناليزا نفسها، ونفس الوجه والملامح يتكرر في لوحة (عذراء الصخور) بطبيعة الحال لكل فنان وجه معين يعتبر أساسا للوجوه التي يرسمها لكن الوجه المعين هذا يكون خفيا عادة لكنه ظاهر بقوة مع دافينشي بأعظم لوحاته، اذ أن لوحاته المبكرة لاتحوي هذه الملامح المميزة. يبدو أن الوجه المعين كلما كان متقنا في ذهن الرسام كان أروع شكلا في كل وجه يرسمه وهو مكتمل للغاية في لوحة الموناليزا. لعل دافينشي رسم وجهين: وجه مبتسم ووجه متجهم ومن ثم قام بدمج كل ذلك بالختام. 




أبعاد اللوحة تبدو مثالية، أي حجم الشكل وتوزيع الفراغ من شأن ذلك أن يكون لوحة مريحة للعين وأرسخ للذهن. مثل لوحة وستلر التي رسم فيها والدته، المثير أنه رسم والده لكنها أبدا لم تنل مانالته لوحة وستلر لأمه. كيف يمكن توزيع الفراغ والأبعاد حتى تكون اللوحة كذلك؟ لا أحد يعرف ذلك لكن يمكن للموهوبين انتاج ذلك بشكل تلقائي. 

لعل من أكثر الأشياء التي يبرع فيها البشر قدرتهم على انتخاب نموذج يعينهم  ويساعدهم على منحهم الاستقرار في أفكارهم، تصوراتهم، اختياراتهم، أحكامهم. كأن الموناليزا اختيرت لتكون كذلك (أيقونة). العجيب أنه لا توجد قصيدة لها مكانة تشبه الموناليزا، أو رواية أو كتاب.      


يبدو أنه من الأسهل محاولة فهم روعة اللوحة من خلال دراسة مواقف وآراء الناس حولها أكثر من دراسة اللوحة نفسها. لا شيء سينتهي بنا لو حاولنا شرح جمال اللوحة نفسها. الجمال ليس إلا الشعور المنعكس فينا. 


هل للجمال سياق؟ 
قد يكون ذلك ولو أن النفس تميل الى القول بأن الجمال شيء مطلق، لكننا ندرك جيدا أن لوحات شاغال وفان غوخ ستعتبر قبيحة ومضحكة لو رسمت في عصر النهضة مثلا. كأن الجمال يتغير وفق سياقه. إذا متى وكيف ولماذا اعتبر الناس لوحات فان غوخ وشاغال جميلة بالقرن العشرين؟ بل لماذا رسموا بهذه الطريقة؟ هذا ما سيجعلنا نفهم الجمال كصورة مطلقة. لكن دراسة الشكل نفسه قد يجعلنا نفسهم جمال اللوحة لكن وفق سياق معين.

صورة الجمال بالفن أو التعبير به يتغير مع الزمن كثيرا لكنه لم يتغير كثيرا مع وجه الانسان، يمكننا الجزم بأن الأشخاص الذين نعتبرهم في غاية الجمال اليوم هم جميلون للغاية في أعين الناس قبل ١٠٠ او ٢٠٠ سنة بخلاف الفن.  لكن مع ذلك الجمال حتما أعمق من أن يكون رأيا.
 

وعلى كل حال هنالك فنانون بيعت لوحاتهم في حياتهم بمبالغ جيدة وبعد مماتهم لم يعد احد يكترث كثيرا بهم ومن ثم عاد الناس واستعادوا اعمالهم الى أن نسوها أو لنقل اعطوها مكانتها الثابتة أخيرا كفنانين عظام لكن أقل من غيرهم وخير مثال على ذلك، رسامي "الروكوكو" الفرنسيين الذين اشتهروا في عصرهم ومن ثم نبذوا ونسيوا قسرا وتم استعادتهم نهاية القرن التاسع عشر وفي هذا العصر استقرت مكانتهم. 


ومع ذلك وبعيدا عن كل هذا الموناليزا ظلت رقما ثابتا.  





من بين النسخ المقلدة للموناليزا هذه أشهر نسخة وهي الموجودة بمتحف البرادو في مدريد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق