السبت، 21 يناير 2017

العالم العربي بريشة ديلاكروا (برتقالة ديلاكروا المشرقة)

الكاعب الحسناء تر= فل في الدمقس وفي الحريرِ

أعتقد أنّ مايصوّره هذا البيت للمنخل اليشكري هو مثل ذلك التصوّر الذي كان موجودا لدى الكثير من الرسّامين المستشرقين. لقد كان العالم الشرقيّ بالنسبة للأوروبيين خاصة بعد ترجمة العديد من الأشعار والأعمال الأدبيّة العربيّة للغات الأوروبيّة مليئا بالسحر والخيال. فهم وقد انتصروا أخيرا ينظرون إلى هذا العالم كمتحف مفتوح لأّمة كانت قد حكمت أغلب بقع العالم تقريبا.



ألف ليلة وليلة :

من ضمن الأشياء التي جذبت المستشرقين ومنهم الرسام الفرنسي المرموق جيروم عالم الحريم وعالم المرأة الحصين. سمع الأوروبيّون كثيرا عن جمال العرب وفتنتهم وحكاية تعدّد الزوجات وكيف أنّهن لايخرجن من بيوتهنّ ولايستطيع أحد النظر إليهنّ عن قرب وحتّى الشمس بالكاد تطلّ خلسة من نافذة مخدعهنّ. فتجد الكثير من اللوحات التي تصوّرهن بأجساد ممتلئة وفاتنة ولم يخدشهنّ العمل ولاشيء يجهدهنّ إلا التثاؤب. وبأوقات مغلّفة بالملل يحاولن قضاء الوقت بالشعر والموسيقى والزينة والحديث مع باقي الزوجات والخادمات. كنّ نقيض ماعليه الرجال وعالمهم القاسي والخشن. البحث عن اللوحات التي تصوّر موضوع "الحريم" سيقودك للعديد من اللوحات الجميلة والمشهورة، لوحات ستجعلك تشعر بأنّ الرسّامين بالواقع كانوا يرسمون مايمكن أن نتصوّره جنّة للرجال! أو مايدور في مخيّلة رجل مندفع في خياله وكأنّ في باله لوحة آنجرز المشهورة "الحمام التركي"

وبكلّ تأكيد ندرك بأنّ كلّ ذلك لم يكن إلا عالما رومنسيّا من وحي الخيال ولايكون إلا في قصور الأمراء والأغنياء، إذ أنّ المرأة نالت من الجهد والعمل ماناله الرجال في البادية والقرى ونلن نصيبهنّ من أشعّة الشمس الحارقة.




 




لوحات: جون فريدريك لويس
كان لويس أكثر اعتدالا في خياله من غيره. وقد رسم العالم المشرق في غرف "الحريم" وكأنّه حينما يرسم العديد من الألوان المتألّقة بأشعّة الشمس ويسهب فيها يحدّثنا عن سحر هذا العالم الخاص بإسهاب ولكن بصورة معتدلة أكثر من غيره. في حين غيره كانوا يرسمون لحظات الكسل وهي غارقة في النعيم والأمان بكلّ ماأوتي لهم من خيال ورغبة. اللوحات فعلا فيها من عالم الشرق وفيها من لذّة التأمّل ولكنّها بالطبع أشبه بعالم "ألف ليلة وليلة" الخيالي.





لوحة جميلة  للودفيغ دوتش وهو رسّام ينتمي لأسرة يهوديّة  لوحاته من أغلى اللوحات التي تباع للرسامين المستشرقين. لوحته تصوّر أحد حرّاس الحريم. ولعلّ هذه المناظر هي الوحيدة التي تمكّن غالبيّة المستشرقين من رؤيتها من عالم الحريم.   


لم يكن هذا هو التصوّر الوحيد عن عالم الشرق بالطرق ولم تكن الوجوه الموجودة باللوحات عربيّة، بالواقع لقد رسم الفنّانون  سيّدات باريس ولكن بملابس ومواضيع شرقيّة! حتّى رينوار رسم الباريسيّات بملابس شرقيّة ووضع للوحته عنوانا جزائريّا!  لم يكن بالإمكان رؤية نساء الشرق. وكثيرا ماكانوا يرسمون اليهوديّات في الشرق على أنّهنّ عربيّات مسلمات. ولعلّ أوّل لوحة رسمت لسيّدات عربيّات بالواقع كانت لوحة ديلاكروا "نساء من الجزائر"


  
يقال بأنّ مرافق ديلاكروا بعد أن وثق به سمح للرسّام برسم أهله. ولعلّ هذه اللوحة تعدّ من أشهر اللوحات التي صوّرت بيتا عربيّا من الداخل.
لم يكن ديلاكروا مهووسا بالعالم الشرقي رغم اعجابه بها وتقديره لقيمها التي تبدو واضحة في لوحاته. العالم الشرقيّ كان عالما حيّا وإن بدى ميّتا وخير من يرسمه ديلاكروا القادر على جعلك تشعر بحركة الأشكال التي يرسمها. لقد أتى ديلاكروا الى الشرق كدارس محبّ للاطّلاع، لذلك تجد لوحاته جديّة وهي أفضل سيرة من سير الرحلات والمحكيّة باللوحات. تمثّل مرحلة من مراحل مشواره الفنّي وهذا مايميّزه، فهو لم يتناول الموضوع كرغبة بل كانت مرحلة أصيلة في مشواره الفنّي.





لوحة بائع البرتقال، كنت قد رأيتها في مجلّة قديمة وللأسف لم أعثر عليها واضحة بالانترنت. لا أدري لماذا أحببت هذه اللوحة بالذات رغم بساطة موضوعها، ورغم وجود ذلك الكمّ الهائل من لوحات ديلاكروا الرائعة عن الشرق. بدت هذه اللوحة مختلفة وبدا البرتقال مشرقا كاشراقة الشمس التي تحدّث ديلاكروا عنها كثيرا عند عودته. على خلاف لوحاته المفعمة بالحركة والحضور كان الهدوء آسرا هنا.ومن بين العديد من اللوحات التي شاهدتها بتلك المجلّة صورة بائع البرتقال (الأولى) هي أكثر ماعلق في بالي.  وللتوّ تبيّن لي أنّه رسم لوحة أخرى وبنفس العنوان.









  و لديلاكروا لوحات كثيرة عن عالم الشرق ويصعب حصرها. قيمتها مستمدّة من كونها تعدّ مرحلة من مراحل مشواره الفنّي. لاتكتمل سيرة الرسّام إلا بها، بالمرحلة المشرقة من فنّه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق