الاثنين، 18 مايو 2020

ملتهم الأحزان



*


لم يكن شخصا أو شيئا عاديّا، من كان يأكل أحزان تلك البلدة.

بالبداية لم يشعر صاحبي بالتحسّن، كان الحزن يأخذ نصيبه كل فترة لكنه زاد عن المعتاد قليلا. لكن بما يكفي ليزرع اليأس في قلبه. صادفه! كان قلبه فارغا، لا يذكر الشعور الذي انتابه عند رؤيته أول مرة. لكنه يذكر جيّدا أنه قال له بأنه سينزع الحزن منه إن لم يكن عنده مانع، قال له: " احكي لي عن مايحزنك، لا يهم إن لم يكن ما يحزنك فعلا. سيحمل كلامك شيئا منه وأمسك به". مسح على ظهره واربت على كتفه واختفى كلّ شيء.

أصبح صديقه، لم يعد يراه شيئا بل صديقا كما يمكن أن تكون هيئته. عاد صاحبي الى بيته وأكمل صديقه سيره بعد أن أخذ حزنه. لم يصعب عليه من حينها أن يجد الأصدقاء في كل مكان. الجميع أصبح صديقا له، والجميع أحبّوا - وهم يحكون لي- شكل أو هيئة هذا الصديق.

" أريد أن آخذ حزنك ... لا أطلب شيئا منك إلا أن أكون صديقك ... لا أحب ملامح الحزن وهي تبدو على أحدهم ... أحب أن أكون صديقا لك ... هل تسمح لي بأن آخذ حزنك ... قل لي مالذي يحزنك ... احكي لي ..."
هذا أكثر ما يذكرونه منه.

كان ينزعج كثيرا عند سؤاله عن السبب الذي يدفعه لفعل ذلك -هل ينوون إدانته؟!- ولو أن هذا كان بعيدا لكنه بدا مزعجا له. لم يقل شيئا عدا أن ذلك يسعده. سألوه كيف يفعل ذلك؟ وكان يجيب بأنه يأكل أحزانهم! أحيانا كان يضحك.
 "لعله لا يدري كيف" هكذا كانوا يقولون أحيانا   

لم تبدو عليه أي تعابير حزينة مختلفة طوال الأيام التي كان يعيش فيها بينهم. لم يكن يحزن.
"كان يأكل حزنه حتما" هكذا كانوا يقولون.

لكنه بالواقع لم يعرف الشعور بالحزن يوما. لم يكن بسبب تكوينه وطبيعته قادرا على الحزن. كان ينزعج،  وربما يغضب، يتململ، كل شعور يقود للحزن كان يطرقه لكن لم يدخل الحزن في قلبه يوما.

بدأ يشعر بتأنيب الضمير، لم يكفي قوله لهم أنه يأكل الحزن منهم. كان عليه أن يقول أكثر من ذلك، كان عليه أن يوضح لهم بأنه يأكل الحزن.

كان يتغذّى على ذلك. وكان شكرهم وامتنانهم يزعجه. فهو غير قادر على إخبارهم بأنه كان يأكل الحزن لا أكثر. هل خمّن بأنّ ذلك سيحدث فرقا في موقفهم منه؟

كلّما أكل الأحزان أكثر ازداد حمل ضميره. لم ينزعج كثيرا؛ فالضمير سطحيّ حتّى يصبح حزنا وهو كائن لا يحزن.

هل سيعتبرونه مخلوقا أنانيّا لو قال ما عنده؟. هل سيعتبر شريرا لو قال بأنه سيسعد أكثر لو شعروا بالحزن أكثر وأكثر؟

في جوفه أحزان بلدة كاملة. ماذا لو استقيظت الأحزان فجأة؟

هو كائن لا يحزن لكنه يفكّر كثيرا. شعورهم بالامتنان والتعبير عنه جعله يفكّر أكثر. هو لم يدرك ما هو الحزن وإن كان يعرفه. لكن التفكير أوصله الى الحزن أخيرا! لا يمكن للتفكير أن يعود أدراجه، الى نقطة البداية. لهذا خرج ذلك اليوم هاربا. وبعد يوم وجد ميّتا.

لم يعرفوا بالضبط الأعراض التي بدت على جسده وسبب الوفاة. بدا كلّ شيء غريبا. لم يسبق لأحدهم أن رأى مثله، لهذا كان من الطبيعي أن يجدوا كل شيء على طبيعته؛ طالما أنهم لم يعرفوا من قبل شيئا عن ذلك. أقاموا له نصبا تذكاريّا. لا أدري لم يبدو لي الآن وكأنّه شخص يأكل قلبا وهو يبكي؟

خلال إقامتي لبضعة أيام بالبلدة، سمعت حكايته منهم، وماكانوا قادرين مثلي على قول قصّته كاملة.  




————

*Kaye Donachie

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق