الجمعة، 8 مايو 2020

الجري داخل العجلة


*

كل شيء يبدو طبيعيّا وساكنا عدا عن التعب الذي أشعر به في رئتي. كلّ شيء على حاله وإن أوحى شعور التعب بغير ذلك. السأم يقتلني ولا أدري متى شعرت به لأوّل مرّة. كأنه في بدايته لكنّه بدأ بعيدا من الأعماق. كل من يتحرك حولي، وإن بدا كطيف الأحلام تشعرني عينه بأنّي أبدو طبيعيّا بالنسبة له. قدمي! للتوّ بدأت أشعر بها وبدأت أرى الوجوه بوضوح أكثر حتّى العجلة التي أجري ولا أدري منذ متى في داخلها، للتو انتبهت ثانية لوجودها. إلى أين؟ لا أدري إلى أين ربّما الى حيث أصل لأعمق نقطة في مكاني نفسه. كلّهم في حالة سكون من حولي، وحدي وكأني أجري للحاق بهم وهم في مكانهم. اللهاث يخنق صدري والجري الذي يملؤ رئتي تعبا أفقدني القدرة على الكلام. وجهي جامد ومشدود، بالكاد أقوى على ثني عضلة فيه لأخلق تعبيرا في وجهي. هواء العجلة يجفّف العرق في جبيني. يتلاشى شعوري بقدمي من جديد -لا أدري ان كانت تدمى- واختفى معها الشعور بملمس العجلة في قدمي.

حتّى من حولي بدؤوا يتلاشون واختفت ملامح العجلة من عيني. أشعر بهم، وأشعر بعدم شعورهم بما يضطرب في جوفي وكأنّ أحدا يجري بداخل عجلة في جوفي. قلبي منهك، وتنهيدة فيها حِمل سنوات تنتظر وقوفي لتخرج من أعماقي. لا أدري كم، لكن ربما بما يكفي لإخباري بكلّ شيء لا أعرفه عن العجلة التي أجري فيها. 

اليأس يخنقني، هذا الشعور يوحي بأنّ وقتا مضى منذ أن تلاشوا جميعا عن عيني. وقت طويل حتّى أنّي رأيت أخيرا أحدهم يقف قربي وكأنّ شيئا ما غير طبيعي. لأوّل مرّة أشعر بأنّ أحدهم يراني غير طبيعي. لأول مرة أشك بأن وجود أحد يجري داخل العجلة غير طبيعي. 

بدأ شعوري بملمس العجلة يعود وعادت قدمي. بدأت أشعر بدمي أكثر، بدأت أرى أشياء أكثر من ذي قبل، كلّ شيء بدأ يظهر من حولي تدريجيّا، حتّى من كانوا يروني طبيعيّا باتوا أكثر وضوحا ومشاعري بدأت تنمو أكثر.

الجري يكبّل يدي -للتوّ أدركت- لها أعوام وهي تلوح جريا على عادتها بمسار يصعب كسره. وكل ما يمكنني فعله هو أن ألقي بنفسي على من يقف قربي، ولعله آخر شخص سأراه في حياتي التي لا أذكر كيف كانت قبل هذا الحال. ولو أني أذكر أحلامها قليلا.

قدمي بدأت تهترئ، وروحي بدأت بالذبول. آخر رمق فيني -آخر نقطة للقفز خارجا- بدأت تقترب. لأول مرة أرى شيئا يسير على مسار يقترب مني. 

الذين اختفوا من عيني سابقا وعادوا، عادوا واختفوا بعد أن لاحت نقطة الرمق الأخير.  لم أعد أشعر بوجودهم وكلّ ما أعرفه أني كنت أعلم بوجودهم. 

"هم لم يروني طبيعيّا من الأساس؛ هم لم يروا شيئا منّي ومن عجلتي لهذا بدت نظراتهم طبيعيّة"  

"النظر بالأفق يحجب كل شيء حولي" 

لم يعد أحد هنا إلا هو . لم تعد لي أي فكرة إلا فكرة القفز والارتطام به. قد أحدث ضررا به، إلا أني سأداهم إصابته وأسبق ألمه بإخباره عني. وبأني شعرت بقربه وبأن ذلك جعلني أشعر تدريجيّا بكل شيء. قدماي، يداي، جسدي كلّه، النقطة التي جاءت معك، لأقفز عبرها خارجا من  عجلتي التي كادت تتحطّم بي. 





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* Cy Tombly

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق